أصوات البقاء

روايات سورية عن الهجمات الكيميائية التي شنتها القوات الحكومية وتنظيم الدولة الإسلامية

تحذير: يتضمّن هذا التقرير بعض مقاطع الفيديو والصور والروابط ذات المحتوى البشع والصادم للغاية، علماً بأن الاطّلاع على هذه الموارد هو على مسؤوليتك الشخصية.

"لا أستطيع ولا أعرف كيف أصف ذلك المشهد؛ كانت جميع الجثث منتفخة، وكانت علامات الاختناق واضحة، وكأنها مدينة أشباح. كيف يمكن لمثل هذا العدد الكبير من الناس أن يموتوا في يوم واحد؟"

أحد الناجين من الهجوم الكيميائي على الغوطة الشرقية عام 2013 الذي ارتكبته الحكومة السورية، في مقابلة مع المركز السوري للعدالة والمساءلة.

الملخص التنفيذي

حُظِرت الأسلحة الكيميائية دوليًا كأداة حرب منذ دخول  بروتوكول جنيف لعام 1925  حيز النفاذ. وفُرِض هذا الحظر بشكل أكبر في عام 1997 من خلال  اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية . ويرجع هذا جزئيًا إلى الطبيعة العشوائية للأسلحة الكيميائية والتي لا يمكن أن تصيب هدفها بشكل مباشر وبالتالي تقتل الأبرياء. وعلى الرغم من هذا، استخدمت الجهات الفاعلة داخل سوريا – وتحديدًا الحكومة السورية وتنظيم داعش – الأسلحة الكيميائية أكثر من 300 مرة، مما أسفر عن وقوع الآلاف من المدنيين السوريين بين قتلى ومصابين. إن الأسلحة الكيميائية لها تأثير مدمر، وخاصة عندما تُستخدم ضد المدنيين فإنها تسبّب معاناة شديدة وموتًا، فضلًا عن مجموعة متنوعة من الأعراض التي يمكن أن تستمر طوال حياة الشخص. ومن أجل فهم التأثيرات الجسدية و النفسية  للحرب الكيميائية بشكل كامل، يجب أن نسمع من ضحايا هذه الهجمات المدمرة.

وفي تحليل اثنتي عشرة مقابلة أجريت مع ناجين وشهود، كشف المركز السوري للعدالة والمساءلة عن أدلة جديدة تؤكد وقوع سبع هجمات كيميائية، ارتكبت الحكومة السورية ستة منها، وارتكب تنظيم داعش واحدة منها. ولم تؤكد هذه الأدلة وقوع الهجمات فحسب، بل ألقت مزيدًا من الضوء على الخسائر الفادحة، الجسدية والعاطفية، التي تسببها الهجمات بالأسلحة الكيميائية.

وعند مواجهته بالأدلة، سواء المقدّمة في هذا التحقيق ومن قبل منظمات أخرى مثل  هيومن رايتس ووتش  و الجمعية الطبية السورية الأمريكية ، بأن الحكومة السورية ارتكبت مئات الهجمات الكيميائية ضد مواطنيها باستخدام غاز السارين وذخائر الكلور،  ادّعى  الرئيس السوري بشار الأسد أنه لم يُصدر أوامر قط بشن هجوم بالأسلحة الكيميائية. وقال "لقد تخلينا عن ترسانتنا [من الأسلحة الكيميائية]" في عام 2014 وإننا "لم نستخدم ترسانتنا الكيميائية أبدًا في تاريخنا". وعلاوة على ذلك، زعم أن الحكومة السورية "من الناحية الأخلاقية" لن تستخدم الأسلحة الكيميائية أبدًا "لأن ذلك غير مقبول". ويأتي هذا كجزء من الاستراتيجية الكبرى للحكومة السورية في استخدام التضليل الإعلامي لإخفاء استخدامها للأسلحة المحظورة دوليًا، ومن ضمنها  البراميل المتفجرة ، ضد المدنيين وتجنّب العواقب.

من المهم أن نلاحظ أنه عند استخدام الأسلحة الكيميائية، كان الجيش السوري يهدف بشكل خاص إلى ضرب المراكز السكانية بدلًا من الأهداف العسكرية كجزء من استراتيجيته الكبرى للعقاب الجماعي للسكان في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. وهذا مثال واضح على العنف العشوائي، ويمثل جريمة حرب بموجب  اتفاقيات جنيف .

كما ارتكب تنظيم داعش هجمات كيميائية في سوريا ضد المدنيين، وخاصة باستخدام غاز الخردل (كبريتيد الخردل). إذ وجدت  دراسة  أجريت عام 2019 أنه من بين 336 هجومًا على الأقل في سوريا، ارتكب تنظيم داعش 2% منها.

وتتضمّن الهجمات التي وثّقها هذا التحقيق استخدام غاز السارين وذخائر الكلور، وكلاهما استخدمته الحكومة السورية، وغاز الخردل الذي استخدمه تنظيم داعش.

وتؤكد شهادات الشهود التي وثقها المركز السوري أن كلا من الحكومة السورية وتنظيم داعش استغلا الحرب الكيميائية، وتقدّم هذه الشهادات معلومات جديدة عن تأثير هذه الهجمات على المدنيين الذين نجوا منها. وباستخدام الأسلحة الكيميائية، خرق كلا الطرفين القانون الدولي بشكل مباشر، ويُعدّ استهداف الحكومة السورية المتعمّد للمدنيين جريمة حرب. وعلاوة على ذلك، تسلط شهادات الشهود التي قدمها المركز السوري الضوء على تأثير هذه الأسلحة التي استخدمتها الحكومة السورية وتنظيم داعش كأداة، في كثير من الحالات، لتخويف المدنيين وإجبارهم على الخضوع. إذ أفاد الشهود الذين قابلهم المركز السوري أنهم كانوا يخشون على حياتهم، وكذلك على حياة أحبائهم، وأُجبِروا على مشاهدة الكبار والصغار يموتون فجأة ودون تفسير. وإن هذا سوء استخدام فظيع للسلطة وانتهاك لحقوق الإنسان من جانب الحكومة السورية وتنظيم داعش على حد سواء.

المنهجية

اكتشف فريق التوثيق التابع للمركز السوري، الذي يجمع انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا ويوثقها، اكتشف أدلة تدعم سبع حوادث منفصلة شهدت استخدام أسلحة الكيميائية، ارتكبت الحكومة السورية ستًا منها وارتكب تنظيم داعش واحدة منها.

وتستند نتائج المركز السوري إلى اثنتي عشرة مقابلة مع شهود على هجمات كيميائية مزعومة، قدمت سبع منها شهادات مباشرة من ناجين من الهجمات الكيميائية. وكان العديد من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم من الناجين من الهجمات الكيميائية، وكان هناك أطباء وعاملون في مجال الصحة قدموا المساعدة الطبية للناجين. كما أجرى المركز السوري مقابلات مع أشخاص من المواقع المستهدفة قدّموا معلومات مؤيّدة ضرورية للتحقق من توقيت الهجمات ومواقعها.

إن تحليل 62 مقطع فيديو مفتوح المصدر، 54 منها تصور الضحايا وهم يعانون من أعراض الهجمات الكيميائية، هو بمنزلة مزيد من التأييد والتأكيد لشهادات الشهود التي حصل عليها المركز السوري للعدالة والمساءلة.

الغوطة – آب/أغسطس 2013

تقع الغوطة في محافظة ريف دمشق وتتكون من ضواحٍ مكتظة بالسكان إلى الشرق والجنوب من دمشق. في بداية الصراع السوري، انحاز معظم سكان الغوطة إلى جانب المعارضة وعارضوا سيطرة الحكومة السورية. ومنذ عام 2012، سيطرت المعارضة على جزء كبير من الغوطة الشرقية، مما أدى إلى قطع دمشق جزئيًا عن ريفها. غير أن الحكومة السورية فرضت حصارًا على معضمية الشام في الغوطة الغربية بدءًا من نيسان/أبريل 2013.

وقبل آب/أغسطس 2013، شنت القوات الحكومية هجمات صاروخية متكررة في محاولة لطرد الثوار من الغوطة لأكثر من عام. وفي الأسبوع الذي شهد الهجوم، شنت الحكومة السورية أيضًا هجومًا لاستعادة ضواحي دمشق التي تسيطر عليها المعارضة.

ثم في 21 آب/أغسطس 2013، شنّت الحكومة السورية هجومًا استهدف عدة مناطق في الغوطة الشرقية بالإضافة إلى معضمية الشام في الغوطة الغربية، مما أسفر عن مقتل ما يقدر بنحو 1,400 شخص.

وقد أكدت عدة تقارير، ومن ضمنها بعض التقارير التي أعدّتها  الحكومة الأمريكية ، أن الحكومة السورية استخدمت أسلحة كيميائية خلال هذا الهجوم، ومنها غاز السارين. وغاز  السارين  هو غاز أعصاب كيميائي من صنع الإنسان، ويعد من أكثر غازات الأعصاب المعروفة سمّية وسرعة في التأثير؛ لأنه يسبب تقلصات عضلية مستمرة ولا إرادية، مما قد يؤدي إلى الاختناق، ويمكن أن يسبب الموت في غضون دقائق. وهو غاز شفاف، وعديم اللون والطعم، ودون رائحة ملحوظة، ويمكن أن ينتشر بسرعة كغاز في البيئة.

وتشمل  أعراض  التعرض لغاز السارين على سبيل المثال لا الحصر: الضيق في الصدر، وغشاوة البصر، والسعال، وسيلان اللعاب، وصعوبة التنفس، وألم العين و/أو انهمار الدموع، وزيادة التبول، والغثيان، والتقيؤ، وألم البطن، والتنفس السريع، وتقلص حدقة العين، والرعشة، والوهن. وإن الجرعات الكبيرة من غاز السارين، التي تعرّض لها كثيرون في الغوطة، تتسبب بفقدان الوعي، والسكتة القلبية التي قد تؤدي إلى الغيبوبة، والتشنجات، والشلل، وفشل الجهاز التنفسي، ونوبات من الصرع، والوفاة.

وأجرى فريق التوثيق التابع للمركز السوري مقابلات مع ثلاثة شهود وناجين لإلقاء مزيد من الضوء على الحادثة.

الهجوم على الغوطة الشرقية

في 21 آب/أغسطس 2013، هاجمت الحكومة السورية الغوطة الشرقية بغاز السارين. ووصف أحد الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات ما تسبب به القصف. إذ أرسلت المساجد نداءات استغاثة، وطلبت من أي شخص لديه سيارة المساعدة في نقل الجثث أو تقديم المساعدة الطبية. ودخل هذا الشخص نفسه المباني، برفقة مجموعة من الشباب، للبحث عمّن يحتاجون إلى المساعدة. وعادة ما تتكون المباني السكنية في الغوطة من ستة طوابق، ويحتوي كل طابق على أربع شقق. وقال إنه والمجموعة كانوا يدخلون أكبر عدد ممكن من المباني ويدخلون جميع الشقق في المبنى. ولكن عندما كانوا يفتحون الأبواب: "كنا نجد أن الجميع في الداخل قد اختنقوا حتى الموت. كان مشهدًا مؤلمًا للغاية، وكانوا جميعًا من العائلات، ومن بينهم الأطفال الصغار والرجال المسنون والنساء. لم نعرف مدى المعاناة التي شهدوها قبل الموت".

وقال إنه لم يتمكن من تحديد العدد الدقيق للجثث التي شاهدها في ذلك اليوم، لكنه قال إن عددها "أكثر من ألف [...] ومن ضمنهم رجال ونساء وأطفال". ووصف الألم الذي شعر به عندما رأى الأمهات والآباء يبحثون بشكل محموم عن المفقودين من أفراد عائلتهم ويسألون الجميع عما إذا كانوا قد عثروا على من يبحثون عنهم.

ووجد الشخص الذي أجريت معه المقابلة صعوبة في وصف المشهد بالكامل. "لا أستطيع ولا أعرف كيف أصف ذلك المشهد؛ كانت جميع الجثث منتفخة، وكانت علامات الاختناق واضحة، وكأنها مدينة أشباح. كيف يمكن لمثل هذا العدد الكبير من الناس أن يموتوا في يوم واحد؟"

ووصف هذا الشخص تجربته في الهجوم. وأشار إلى أن الضحايا في الشوارع وفي منازلهم ظهرت عليهم أعراض مؤلمة، كازرقاق اللون والانتفاخ. وقال: "كانت الجثث متناثرة على الطرق يمنة ويسرة، وكلها كانت مزرقّة." إن هذا اللون الأزرق كما وصفه الشاهد هو علامة الاختناق، وهو متوافق مع فشل الجهاز التنفسي الناجم عن التعرض لغاز السارين.

تذكر الشاهد صديقه الذي لقي حتفه في محاولة لإنقاذ أولئك الذين كانوا يعانون: "كان معنا صديق [...] لمساعدتنا في نقل الجثث وإنقاذ من كانوا لا يزالون على قيد الحياة. استشهد بسبب مضاعفات استنشاق الغازات أثناء عمليات الإنقاذ. لقد ساعد في نقل دفعتين من الشهداء، وفي الدفعة الثالثة بدأ وجهه يتحول إلى اللون الأزرق تدريجيًا. ثم بدأ يختنق. حاولنا مساعدته ولكن دون جدوى."

كما أجرى المركز السوري للعدالة والمساءلة مقابلة مع طبيب عالج بعض الأشخاص الذين وصلوا من الغوطة الشرقية بعد معاناتهم من هجوم السارين. قال إنه "عندما وقع الهجوم الكيميائي، كان علينا المساعدة في إنقاذ أكبر عدد ممكن من الأشخاص." وتذكّر الطبيب أن الناجين عانوا من أعراض تنفسية واضحة وتشنجات وزيادة إفراز اللعاب واتساع حدقة العين وضيق حاد في التنفس، علمًا بأن جميع هذه الأعراض تتفق مع التعرض للسارين.

كما حدد فريق المحللين في المركز السوري سلسلة من مقاطع الفيديو مفتوحة المصدر التي أكدت شهادات الشهود على وقوع الهجوم بغاز السارين في الغوطة الشرقية. إذ استخدم المركز السوري تحديد الموقع الجغرافي لتأكيد أن نقطتين طبيتين في دوما استقبلتا المصابين في هذا الهجوم، وكان ذلك معززًا بشهادة أحد السكان المحليين. وبالإضافة إلى ذلك، يظهر في اثنين من مقاطع الفيديو المستخدمة لتحديد الموقع الجغرافي أشخاص مصابون تظهر عليهم أعراض هجوم كيميائي.

وبالإضافة إلى ذلك، وجد محللو البيانات في المركز السوري أيضًا العديد من مقاطع الفيديو الأخرى مفتوحة المصدر للهجوم وتداعياته والتي تعذّر تحديد موقعها الجغرافي نظرًا لحقيقة أن معظم مقاطع الفيديو تم التقاطها إما داخل مباني أو في الليل. وبينما لم يتمكن المركز السوري من التحقّق من موقعها، فقد قدّمت هذه المقاطع أدلة على معاناة الأشخاص من أعراض هجوم بغاز السارين ويُزعم أنها صُوّرت في الغوطة الشرقية أثناء الهجوم. وتشمل الأعراض التي ظهرت في مقاطع الفيديو ما يلي: السعال (1)، وسيلان اللعاب (14)، وصعوبة التنفس (4)، وانهمار دموع من العينين (1)، وسرعة في التنفس (9)، وانقباض حدقة العين (1)، والهزال (3)، والتشنجات (5)، والشلل (1)، والارتعاش (3).

فيما يلي روابط لمقاطع الفيديو التي ما تزال متاحة على اليوتيوب، علمًا بأن بعض مقاطع الفيديو الأخرى لم تعد متاحة عبر الإنترنت ولكنها حُفِظت في نظام إدارة البيانات التابع للمركز، " بيانات ".

الهجوم على الغوطة الغربية (معضمية الشام)

شنت الحكومة السورية هجومًا على معضمية الشام في الغوطة الغربية كذلك في 21 آب/أغسطس 2013، وهو اليوم نفسه الذي استخدمت فيه الحكومة السورية غاز السارين لمهاجمة الغوطة الشرقية.

أجرى فريق التوثيق التابع للمركز السوري للعدالة والمساءلة مقابلة مع أحد الناجين لإلقاء مزيد من الضوء على الواقعة. إذ أفاد الناجي أنه في نحو الساعة الخامسة صباحًا من يوم 21 آب/أغسطس، كان مستيقظًا في حي الروضة، بعد أن كان هناك في تجمع مع بعض الأصدقاء. وعلى الرغم من الوقت المتأخر، فإنه كان لا يزال مستيقظًا، حيث لم يتمكن من النوم "بسبب الجوع". وأفاد بأن "الجوع بدأ يضعف أجسامنا؛ لم يبق شيء نأكله".

ووصف أنه بينما كان يتقلب في فراشه، سمع إطلاق صاروخين من أصل ستة صواريخ: "بدأت أسمع أصواتًا غريبة وسمعت أصداء الصوت، لكننا لم نسمع انفجارًا بعد ذلك. "انتظرت لثوانٍ، ولم أسمع صوت انفجار، لكن الصوت كان أقرب إلى صرخة غراب مروعة، أو هكذا تخيلته". سمع صوت شخص في الحي يصرخ، يطلب من الناس إنقاذ الآخرين. حاول أن يصرخ بأنه لم يكن هناك انفجار، وعندما خرج، قال إنه "لم تكن هناك آثار دماء أو أي شيء يشير إلى ما حدث". لم  ينفجر  الصاروخ، بل كان يطلق غاز السارين السام.

وعزا الشاهد الهجمات إلى ستة صواريخ أطلقتها الفرقة الرابعة المتمركزة على الجبل المقابل لمعضمية الشام. وبحسب الشاهد، فقد سقط صاروخان على شارع الروضة، واثنان في حي الزيتونة، واثنان في الحي المجاور له.

وصف الشاهد من شاهدهم يقعون ضحايا جرّاء تأثيرات غاز السارين: "رأيت أشخاصًا يزبدون من أفواههم، وعيونهم جاحظة إلى الخارج، بالكاد يستطيعون التنفس". وأضاف: "رأينا شابًا ملقى على الأرض، لا تظهر عليه أي علامات دماء، لكنه يبدو مشلولًا". إن هذه العلامات المتمثلة بظهور زبد في الفم والشلل هي علامات التعرض لغاز السارين.

رأيت في قاعة الصلاة الخباز الرئيسي في المعضمية يحاول الوصول إلى الدرجة الأولى [من السلّم]، والزبد يخرج من فمه، وعيناه جاحظتان تمامًا. حاولت رفعه، وفي تلك اللحظة، […] بدأت الهلوسة في رأسي. فقدت بصري وشعرت وكأن ساقيّ لم تعودا قادرتين على حملي. خرجت من الباب، ووقفت هناك، وتحول كل شيء في بصري إلى اللون الأبيض تمامًا، دون أي معالم، ثم فقدت الوعي.

كما وصف الشاهد تعرّضه للغاز

إن  الهلوسات  التي عانى منها الشاهد متسقة وشائعة في حال التعرّض لغاز السارين. بالإضافة إلى ذلك، يسبّب غاز السارين تحفيزًا مفرطًا، مما يؤدي إلى إفراز في الفم والقنوات الدمعية. ويؤدي الإفراز في الفم إلى ظهور  زبد في الفم ، كما وصفها الشاهد أعلاه وكما وثقتها مقاطع فيديو وصور مفتوحة المصدر. وإن الإفرازات في القنوات الدمعية تسبب انهمار الدموع وتؤدي إلى تشنجات وارتعاش، كما وثّقت ذلك مقاطع فيديو مفتوحة المصدر، وكما ورد في شهادات الشهود.

تبيّن لمحللي المركز السوري من خلال تحديد الموقع الجغرافي لمقطعي فيديو مفتوحي المصدر (انظر  هنا  و هنا ) أن بعض الأفراد الذين تعرضوا لعوامل كيميائية نُقِلوا إلى نقاط طبية في داريا (مدينة أخرى في الغوطة الغربية) ومعضمية الشام. وفي أحد مقطعي  الفيديو  المذكورين أعلاه، ورد أن الهجوم وقع بين الساعة 4 صباحًا و5 صباحًا، مما يؤكد شهادة الشهود الذين قابلهم المركز السوري.

حدّد المركز السوري عدة مقاطع فيديو قيل إنها صُورت في الغوطة الغربية وأظهرت أشخاصًا يعانون من أعراض هجوم بغاز السارين. وعلى الرغم من أنه لم يكن من الممكن تحديد الموقع الجغرافي للمقاطع، إلا أنها أظهرت الضحايا وهم يعانون من أعراض تتفق مع التعرض لغاز أعصاب مثل: زبد في الفم (2)، وصعوبة في التنفس (1)، ودموع/انهمار دموع العين (1)، وتنفس سريع (2)، وضيق في حدقة العين (1)، وضعف (2).

فيما يلي روابط لمقاطع الفيديو التي ما تزال متاحة على اليوتيوب (يُنصح المشاهد بتوخي الحذر)، علمًا بأن بعض مقاطع الفيديو الأخرى لم تعد متاحة عبر الإنترنت ولكنها حُفِظت في قاعدة بيانات المركز السوري، "بيانات".

خان شيخون – نيسان/أبريل 2017

في 4 نيسان/أبريل 2017،  شنّت  الحكومة السورية هجومًا كيميائيًا (على الأرجح بغاز السارين) على خان شيخون في إدلب، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 90 شخصًا وإصابة العديد من الأشخاص الآخرين. وأجرى فريق التوثيق التابع للمركز السوري مقابلتين مع أحد الناجين وشاهد مطّلع (أي شاهد لديه معرفة مباشرة بالهجوم) لإلقاء مزيد من الضوء على الواقعة.

وصف الناجي تجربته: "شاء القدر أن تكون زوجتي حاملًا، وكانت في شهرها الرابع من الحمل في نيسان/أبريل 2017. تعرّضت خان شيخون لقصف جوي بصواريخ تحمل أسلحة كيميائية. كنت وعائلتي على بعد كيلومتر واحد تقريبًا من الضربة". قال الشخص الذي أجريت معه المقابلة:

بدأت علامات التعرض للمواد الكيميائية تظهر على الفور، حيث كانت أعيننا تذرف الدموع وأنوفنا تسيل بشكل غريب. كما شعرنا بثقل عام. [...] وخصوصًا زوجتي الحامل شعرت بإعياء غير عادي، ليس من الأعراض الاعتيادية للحمل مثل الغثيان أو آلام البطن الشديدة، بل مجرد إعياء وسيلان أنف قوي واحمرار شديد في العينين. في ذلك اليوم، توفي العديد من الأشخاص بسبب القصف الكيميائي، ومن ضمنهم اثنان من أقاربي.

حدّدت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ( OPCW ) الهجوم على أنه غاز السارين. ووفقًا لمنظمة  هيومن رايتس ووتش ، فإن الصور ومقاطع الفيديو لبقايا الأسلحة تتفق مع خصائص القنبلة الكيميائية سوفيتية الصنع التي تُلقى من الجو والمصممة خصيصًا لحمل غاز السارين.

غير أن الرئيس السوري بشار الأسد  زعم  أن واقعة خان شيخون لم تحدث أبدًا، وبدلًا من ذلك، زعم أن الولايات المتحدة لفّقت الهجوم من أجل قصف قاعدة جوية سورية. وقال: "لقد فبركوا القصة بأكملها من أجل إيجاد ذريعة للهجوم". وتتناقض جميع الأدلة المتاحة، ومن ضمنها الوثائق التي قدمتها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وهيومن رايتس ووتش، ومقابلات الشهود التي أجراها المركز السوري، بشكل مباشر مع هذه الرواية للأحداث.

قال شاهد على اطلاع مباشر بالهجوم للمركز السوري إن طائرة Su-22 ألقت أسلحة كيميائية على خان شيخون. وحدد الشاهد الطيار الذي نفذ الغارة الجوية وذكر أن الطائرة أقلعت من مطار الشعيرات. وأشار أيضًا إلى وجود قنابل كيميائية، وتخزينها في المطار، ويمكن إطلاقها بالمدفعية أو الصواريخ أو الطائرات، وتم تحميلها تحت جناح الطائرة وانفجرت عندما ضربت الأرض، مما أدى إلى انتشار المواد الكيميائية.

وفي إفادة له، قال الناجي الذي قابله المركز السوري أيضًا إن أعراضا ظهرت عليه هو وغيره من ضحايا الهجوم، من ضمنها: أعراض الجهاز التنفسي، وسيلان الأنف، واحمرار العينين وانهمار الدموع، والخمول وضعف في الحركة، وكلها مؤشرات على التسمم بغاز السارين.

كما أفاد الناجي نفسه من الهجوم، الذي كان على بعد كيلومتر واحد من المكان المستهدف، بأنه شم رائحة الكلور. ولم يتمكن المركز السوري من التحقق من احتمال أن يكون الهجوم الكيميائي قد تضمّن كلا من الكلور وغاز السارين، كما لم يتمكن المركز السوري من العثور على أدلة تؤكد استخدام غاز الكلور. غير أن المركز السوري لا يستبعد احتمال استخدام الحكومة السورية لغاز السارين والكلور في هذا الهجوم.

وتمكن محققو المركز السوري من التحقق من نقل أشخاص ظهرت عليهم أعراض تتوافق مع الهجوم الكيميائي إلى عيادة طبية في خان شيخون، وهي في الأصل مركز للدفاع المدني تديره الخوذ البيضاء. وفي مقاطع الفيديو الخمسة المستخدمة لتحديد الموقع الجغرافي (انظر  هنا ، و هنا ، و هنا ، و هنا )، لاحظ محققو المركز السوري أن الأفراد في الفيديو ظهرت عليهم أعراض التسمم بغاز السارين. وفي أحد مقاطع الفيديو، يزعم المراسل أنه بعد الهجوم الكيميائي، نُقل العديد من الأشخاص إلى العيادة الطبية التي حدد المركز السوري موقعها. ووفقًا للمراسل، قصفت الحكومة السورية بعد ذلك الموقع الطبي الذي نُقل إليه ضحايا الهجوم الكيميائي. ويُظهر الفيديو أضرارًا بالغة لحقت بالمبنى الطبي.

أظهرت عدة مقاطع فيديو مفتوحة المصدر قيل إنها صُورت في خان شيخون أشخاصًا يعانون من أعراض هجوم بغاز السارين. وعلى الرغم من عدم إمكانية تحديد الموقع الجغرافي الذي صوّرت فيه هذه الفيديوهات، فإن الأعراض التي ظهرت على الضحايا كانت متوافقة مع التعرض لغاز السارين، وشملت: زبدًا يخرج من الفم (5)، وصعوبة في التنفس (3)، وانهمار دموع من العينين (1)، وتنفسًا سريعًا (2)، وتضيّقًا في حدقة العين (1)، ووهنًا (3).

فيما يلي روابط لمقاطع الفيديو التي ما تزال متاحة على اليوتيوب (يُنصح المشاهد بتوخي الحذر)، علمًا بأن بعض مقاطع الفيديو الأخرى لم تعد متاحة عبر الإنترنت ولكنها حُفِظت في قاعدة بيانات المركز السوري، "بيانات".

الغوطة الشرقية – آذار/مارس - نيسان/أبريل 2018

في فبراير/شباط 2018، صعّدت القوات المسلحة السورية هجومها على الغوطة الشرقية. وقد شمل هذا الهجوم اعتداءين إضافيين بغاز الكلور على الغوطة تمكّن المركز السوري من التحقق منهما -أحدهما في حمورية في آذار/ مارس والآخر في دوما في نيسان/أبريل- وكلاهما وقع بعد خمس سنوات من الهجوم الأولي الذي شنته الحكومة السورية على الغوطة. وأكدت  منظمة حظر الأسلحة الكيميائية  أن غاز الكلور استُخدم في الاعتداءين اللذين نفذتهما الحكومة السورية، حيث أسقطت أسطوانتين صفراوين تحتويان على غاز الكلور السام على مبنيين سكنيين في مناطق يسكنها مدنيون.

وعندما يلمس غاز الكلور العينين والحلق والرئتين،  ينتج  حمض يمكن أن يسبب تلف الأنسجة. ويبقى غاز الكلور قريبًا من الأرض، وينتشر بسرعة، ويكون لونه أصفرَ مخضرًا.

تشكل الهجمات التي يُستخدَم فيها غاز الكلور ما يقرب من 90% من الهجمات الكيميائية الموثقة في سوريا. وذلك لعدة أسباب: فهو أقل فتكًا من غاز السارين بنسبة كبيرة، مما يعني أن احتمالية تسببه باحتجاج دولي ستكون أقل. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الكلور ليس مادة كيميائية "ذات استخدام مزدوج" فحسب، بمعنى أن لها تطبيقات مدنية مشروعة (مثل تنقية المياه) وهي مادة غير خاضعة للرقابة، كما أنها رخيصة، مما يسهّل الحصول عليها بكميات كبيرة. إضافة إلى أنه ليس من الضروري أن تكون لديك معرفة أو معدات متخصصة لتخزين الكلور والتعامل معه وتحويله إلى سلاح. وهذا ما مكّن الحكومة السورية من الاستمرار باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، حتى عندما سلّمت معظم أسلحتها الكيميائية للمجتمع الدولي بعد هجوم غاز السارين في آب/أغسطس 2013 على الغوطة. وعادة ما يتعرض المدنيون للكلور من خلال ذخائر الكلور، التي يتم نشرها عادة في البراميل المتفجرة، والتي وثّق المركز السوري  350 اعتداءً تم التحقق منها  نفذتها الحكومة السورية. إذ يتم إسقاط ذخائر الكلور المرتجلة هذه من طائرات الهليكوبتر، على الرغم من إطلاق بعضها أيضًا من  قاذفات الصواريخ .

وتشمل  أعراض  التعرّض للكلور: الإحساس بالحرقان في الأنف والحلق والرئتين والعينين، وخروج سائل أبيض مع السعال، وصعوبة في التنفس وضيقًا في التنفس، وانهمار دموع العين، وغثيانًا، وفشلًا تنفسيًا؛ وقيئًا؛ وأزيزًا.

هجوم على حمورية آذار/مارس 2018

في آذار/مارس 2018، استخدمت الحكومة السورية غاز الكلور كسلاح ضد سكان حمورية، وقال أحد الشهود واصفًا: "في بداية الشهر الثالث من عام 2018، استُهدف المسجد القريب من مسكننا، والذي يقع بالقرب من وسط حمورية، بقصف بغاز الكلور". استهدف الهجوم على وجه التحديد طريق بيت سوا في منطقة سكنية تُعرف باسم نزلة المدرسة، وهو مخبأ لجأت إليه العائلات. وأفاد أحد الشهود بأن "الناس بدأوا في التجمع في وسط البلدة، وقصف النظام بغاز الكلور أحد الأقبية في [الطريق المؤدي هبوطًا إلى المدرسة]، والذي كان يضم عددًا كبيرًا من المدنيين".

وقال إن هذه كانت استراتيجية مقصودة: "استهدف القصف ذلك القبو، مما أجبر المدنيين على الخروج عبر النفق المغلق، مما عرّضهم جميعًا لقصف بالمدفعية". وعلاوة على ذلك، فإن إجبار المدنيين على الفرار عبر النفق يعني تعرّضهم لمزيد من التأثيرات الخطيرة للكلور، حيث يغور غاز الكلور في الأرض وكان النفق تحت الأرض. وأضاف: "كانت سياسة النظام الوحشية هي إجبار الناس على الخروج من الأنفاق باستخدام غاز الكلور لتجميعهم في مكان واحد، ربما لاعتقالهم. وظهرت علامات الاختناق على المدنيين الذين وصلوا من تلك الأقبية، فضلًا عن انتشار رائحة غاز الكلور، التي التصقت بملابسهم". وتتفق هذه الأعراض مع التعرّض للكلور. واجه المدنيون خيارًا مستحيلًا: إما الموت بالأسلحة الحركية فوق الأرض أو الاختناق بالأسلحة الكيميائية تحت الأرض.

وتحدّث الشاهد عن الدمار الذي خلّفه الهجوم الكيميائي، والذي أعقبته سيطرة الحكومة على الغوطة الشرقية وطرد مجموعات المعارضة جميعها. وأوضح أن "الأمر المحزن حقًا هو أن هذه الرحلة، التي كانت تحمل آمالًا بمستقبل أفضل، تنتهي باحتلال جديد للغوطة الشرقية من قبل النظام. إنها رحلة جديدة من النضال أدت إلى عدم الاستقرار والنزوح إلى ملاجئ مؤقتة للنازحين، تشبه مراكز الاحتجاز في مناطق يسيطر عليها النظام".

وأظهرت العديد من مقاطع الفيديو مفتوحة المصدر التي قيل إنها صُوِّرت في حمورية أشخاصًا يعانون من أعراض هجوم بغاز الكلور. وعلى الرغم من عدم إمكانية تحديد الموقع الجغرافي لهذه المقاطع، فإن الأعراض التي ظهرت على الضحايا كانت متّسقة مع التعرض لغاز الكلور وشملت: صعوبة في التنفس/ضيقًا في التنفس (5)، والصفير (3).

فيما يلي روابط لمقاطع الفيديو التي ما تزال متاحة على اليوتيوب (يُنصح المشاهد بتوخي الحذر)، علمًا بأن بعض مقاطع الفيديو الأخرى لم تعد متاحة عبر الإنترنت ولكنها حُفِظت في قاعدة بيانات المركز السوري، "بيانات".

الهجوم على دوما نيسان/أبريل 2018

في نيسان/أبريل 2018، استخدمت الحكومة السورية غاز الكلور  كسلاح  ضد سكان مدينة دوما الواقعة في الغوطة الشرقية.

أشار أحد الناجين: "لقد شهدت سقوط صاروخ في 6 نيسان/أبريل 2018، الساعة 2:35 مساءً، قبل صلاة العصر مباشرة. كان يوم جمعة. أتذكر هذا التاريخ تمامًا". ووصف الشخص الذي أجريت معه المقابلة كيف كان يتوضأ قبل الصلاة عندما نظر إلى السماء ورأى "براميل متفجرة عديدة تسقط من طائرات". "وتذكر أنه شعر بالارتياح لأن الصاروخ لم ينفجر. غير أنه سرعان ما رأى الدخان يتصاعد من البراميل، فركض إلى الملجأ، صارخًا، "كيماوي!"

ووفقًا لشهود عيان قابلهم المركز السوري، استهدف أحد الصواريخ منطقة سكنية، وضرب مخبأ لجأت إليه العائلات على بعد 500 متر فقط من المشفى.

أجرى المركز السوري للعدالة والمساءلة مقابلة مع اثنين من شهود العيان على الهجوم، أحدهما عامل في مجال الصحة كان يعمل في مشفى قريب وقت الهجوم. وذكرا أن الضحايا الذين تعرضوا للهجوم ظهرت عليهم أعراض تطابق أعراض التعرّض لغاز الكلور. وقال العامل في مجال الصحة إنهم لاحظوا الأعراض التالية: "زبد في الفم، وسعال مع بلغم أبيض، واختناق، وصعوبة في التنفس، وخمول وضعف في الحركة."

وأضاف: "كانت الآثار أكثر وضوحًا على الأطفال [...] وكان معظمهم قد وصلوا ميتين."

وتشير  تقارير  إلى أن الأطفال غالبًا ما عانوا أكثر من غيرهم من هجمات الأسلحة الكيميائية وماتوا بأعداد أكبر. ويرجع هذا إلى عدة  أسباب : فالأطفال أصغر حجمًا، لذا فإن الأمر يتطلب جرعة أصغر من المادة الكيميائية لإحداث تلف في أعضائهم. كما أن دفاعات الأطفال أقل فعالية؛ فهم لا يستطيعون الهروب بسرعة من هجوم كيميائي، وأجهزتهم المناعية أضعف.

ووصف شاهد آخر أيضًا معاناته من تأثيرات غاز الكلور: "عندما لمست لحيتي، كانت هناك مادة بيضاء تخرج من فمي وتسيل على لحيتي. بدأت أفقد توازني، وبدأ أطفالي يسعلون بشدة، مع خروج قطع بيضاء من أفواههم أثناء نوبات السعال". إن هذه الأعراض، وخاصة خروج سائل أبيض مع السعال، هي مؤشرات أخرى على التعرض لغاز الكلور.

وأضاف الشاهد "بدأت مفاصلي وأعصابي تنتكس، وبدأت أشعر بثقل وخمول في الحركة". ولاحظ الشاهد مشكلات مماثلة مع زوجته إذ قال "كانت زوجتي منهكة لدرجة أنها لم تقوَ على رفع جسمها، واستشهد عدد كبير ممن كانوا معنا في الملجأ في تلك اللحظة".

وقال الشاهد إنه "أدرك أن الموت اقترب" لكنه لم يستسلم. وأوضح "بدأت بتغطية أطفالي وزوجتي بالبطانيات ورش الماء عليهم لعزل المواد الكيميائية. [...] أدركت أن الموت كان وشيكًا".

كما تسبب التعرّض لغاز الكلور بآثار طويلة الأمد أكثر ثباتًا لدى الناجين. إذ قال الشاهد نفسه:

لقد عانينا جميعًا من أعراض مثل تهيّج في العينين ومشكلات في الجهاز التنفسي في الصدر والأنف بالإضافة إلى تلف الأعصاب وألم المفاصل وضعف العضلات وإعياء عام. وعند الفحص، أبلغ الأطباء أشقائي أن الأطفال [...] كانوا يعانون من أمراض الجهاز التنفسي التي تتطلب علاجًا. وعندما استشار أخي طبيب الأعصاب، عزا ارتخاء المثانة والتبول اللاإرادي إلى تلف الأعصاب. وهم يتلقون العلاج حاليًا، ولكن دون تحسن.

وفي النهاية، أُجبر هو وعائلته على الخروج من الغوطة الشرقية إلى شمال سوريا. وأوضح أن الأمر كان "رحلة نحو المجهول، وكانوا جميعًا في حالة يُرثى لها بسبب آثار التعرّض للمواد الكيميائية".

وتدعم مقاطع الفيديو مفتوحة المصدر التي حددها محللو المركز السوري للعدالة والمساءلة (انظر  هنا ، و هنا ، و هنا ) الحجة القائلة بأن هجومًا كيميائيًا وقع في دوما ويتوافق مع التاريخ نفسه. إذ حدّد محللو بيانات المركز السوري موقع الهجوم من خلال تحديد الموقع الجغرافي للمعالم والهياكل المرئية في العديد من مقاطع الفيديو.

بالإضافة إلى ذلك، وجد محققو المركز السوري أيضًا العديد من مقاطع الفيديو مفتوحة المصدر الأخرى التي لم يكن من الممكن تحديد موقعها الجغرافي. ومع ذلك، قدّمت هذه المقاطع أدلة على معاناة الأشخاص من أعراض هجوم بغاز الكلور. وشملت الأعراض التي ظهرت في هذه الفيديوهات التي يُزعم أنها صُوِّرَت في دوما أثناء الهجوم: خروج سائل أبيض مع السعال (16)، وصعوبة التنفس/ضيق التنفس (1)، وانهمار دموع العين (1).

فيما يلي روابط لمقاطع الفيديو التي ما تزال متاحة على اليوتيوب (يُنصح المشاهد بتوخي الحذر)، علمًا بأن بعض مقاطع الفيديو الأخرى لم تعد متاحة عبر الإنترنت ولكنها حُفِظت في قاعدة بيانات المركز السوري، "بيانات".

سراقب – أيار/مايو 2015

في 2 أيار/مايو 2015، قُصِفت سراقب ببراميل متفجرة مملوءة بغاز الكلور. سراقب هي مدينة تقع في شمال غرب سوريا، وهي تتبع إداريًا لمحافظة إدلب وتقع شرق مدينة إدلب. سيطرت قوات المعارضة على سراقب في عام 2012، على الرغم من أن الجيش السوري استعادها في عام 2020.

انتشر غاز الكلور الذي أطلق في سراقب على مساحة كبيرة، مما أثر على  ما يقدّر بنحو  75 فردًا. وأكدت  تقارير  استخدام أسلحة كيميائية وزعمت أن الحكومة السورية نفذت الهجوم.

أجرى فريق التوثيق التابع للمركز السوري مقابلات مع شاهدين. وعزا الشاهدان الهجمات إلى غاز الكلور الذي أطلقه الجيش السوري من طائرات مروحية، مما أدى إلى إصابة مدنيين من بينهم نساء وأطفال (فيما وصفوه بهجوم بالبراميل المتفجرة).

أشار أحد الناجين إلى الحدث: "في يوم السبت، [...] جاءت طائرة مروحية قبل الفجر بنحو ساعة، في قرابة الساعة 3 فجرًا، وألقت برميلًا بالقرب منا، على بعد أقل من 100 متر. لم نسمع الانفجار المتوقع للبراميل المتفجرة التقليدية، لذلك خرجنا من المنزل وشممنا رائحة تشبه الكلور، لكنها كانت شديدة التركيز (خانقة)". ركض إلى طفليه، اللذين يبلغان من العمر عامين ونصف وأربعة أعوام، وأيقظهما، وصعدوا إلى سطح المنزل. وضع ملابس مبللة على أنفيهما في محاولة لمنع الكلور من دخول رئتيهما. وأضاف: "من الجدير بالذكر أنه لا توجد أي مقرات لجماعات مسلحة قريبة من حيّنا على الإطلاق"، أي إنه لم يكن هناك أي تهديد أمني يمكن للحكومة الاعتماد عليه في محاولة لتبرير أفعالها.

وذكر أحد الشهود أنه بعد أربعة أيام من تعرضه وزوجته للمادة الكيميائية، أنجبت زوجته، وأصيب الطفل بضمور في الرئة اليمنى وتوفي. ويعتقد الشاهد أن سبب ضمور الرئة اليمنى ووفاة طفله لاحقًا كان التعرض لغاز الكلور، حيث لا يوجد تاريخ عائلي يشير إلى الإصابة بهذا المرض.

وتمكّن المركز السوري من الكشف عن أربعة مقاطع فيديو تظهر ضحايا هجوم كيميائي في سراقب. لم يكن من الممكن تحديد الموقع الجغرافي لهذه المقاطع، حيث التقطت المقاطع في أماكن مغلقة و/أو صُوّرت في الليل. ولكن ظهرت على الضحايا في هذه المقاطع أعراضٌ تضمّنت صعوبة التنفس/ضيق التنفس (1) والقيء (1). كما يؤيّد أحد  مقاطع الفيديو  تأكيد الشهود على أن الهجوم وقع في نحو الساعة 3 فجرًا إلى 4 فجرًا، ويظهر  مقطع فيديو  آخر أن الظلام كان ما يزال مخيما في الخارج.

فيما يلي روابط لمقاطع الفيديو التي ما تزال متاحة على اليوتيوب (يُنصح المشاهد بتوخي الحذر)، علمًا بأن بعض مقاطع الفيديو الأخرى لم تعد متاحة عبر الإنترنت ولكنها حُفِظت في قاعدة بيانات المركز السوري، "بيانات".

هجوم داعش الكيميائي

مارع – آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر 2015

هاجم تنظيم داعش بلدة مارع، وهي بلدة تقع في شمال حلب وكانت تحت سيطرة المعارضة وقت الهجوم، واستخدم في مهاجمتها قذائف مدفعية محملة بأسلحة كيميائية في 21 آب/أغسطس، 2015 وهاجمها مرة ​​أخرى في 1 أيلول/سبتمبر، 2015. وكانت المادة الكيميائية المستخدمة في الهجوم هي غاز الخردل (كبريتيد الخردل)، والذي يمكن أن يظهر باللونين الأصفر والأسود (انظر الاقتباس أدناه). أجرى فريق التوثيق التابع للمركز السوري مقابلات مع شاهدين لإلقاء مزيد من الضوء على الواقعة. إذ نسب الشاهدان الهجوم إلى داعش وأفادا بأن الجرحى شملوا أفرادًا من الجيش السوري الحر ومدنيين.

قال أحد الشاهدين: "في نحو الشهر الثامن من عام 2015، وفي منتصف النهار تقريبًا، بدأنا نشهد قصفًا على مناطق سكنية في عدة مناطق من معرة النعمان". ولخص شاهد آخر تجربته في الحدث بقوله:

قُصفت المدينة في ذلك اليوم بنحو 90 إلى 100 قذيفة، من ضمنها قذائف محلية الصنع وصواريخ عادية، معظمها روسية الصنع. تحتوي القذائف المصنعة محليًا على نوعين من المواد الكيميائية: غاز الخردل، وهو أصفر اللون ويسبب الحروق بالإضافة إلى الاختناق [و] مادة سوداء [...] ذات رائحة تشبه الكبريت [لكن] لم يتمكنوا من تحديد النوع [...]. في ذلك اليوم، كان عدد الجرحى بين 40 و45، بينهم ستة مدنيين فقط، والبقية من العسكريين.

وقال الشاهد الأول: "عندما رأيت القذيفة، كان هناك سائل بني اللون حولها، يشبه الزيت أو الديزل السميك. كما كانت الرائحة غريبة؛ كانت المرة الأولى التي أشم فيها مثل هذه الرائحة، تشبه رائحة الثوم. استمرت الرائحة لأكثر من ثلاثة أيام ثم بدأت تتلاشى تدريجيا". وكما ذكرنا سابقا، فإن هذا اللون والرائحة يتفقان مع غاز الخردل.

ولقد عانى الأشخاص الذين تعرّضوا للهجوم من أعراض تشمل حروقًا تشبه الكدمات وصعوبة التنفس، بحسب ما أفاد طبيب عالج الإصابات. وكان أحد الشخصين اللذين أجريت معهما المقابلة، والذي يحمل شهادة في الطب العام، يعمل طبيبا في ذلك الوقت. وقال: "أتذكر عشر حالات على وجه الخصوص أظهرت أعراضا غير عادية، من بينها حالتان شديدتان تطلبتا النقل إلى تركيا بسبب تعقيد العلاج." وأعرب الشخص الذي أجريت معه المقابلة عن اعتقاده بأن هدف هذا الهجوم كان تمكين داعش من السيطرة على المنطقة والقضاء على الناس هناك، لأنها "كانت شوكة في خاصرة أولئك الذين يسعون إلى السيطرة عليها".

 غاز الخردل  هو مادة من صنع الإنسان تُستخدم في الحرب الكيميائية ويسبب ظهور بثور على الجلد والأغشية المخاطية عند ملامسته. وغالبًا ما يبدو أصفر أو بني اللون، وعادة ما تكون رائحته مثل الثوم أو الخردل أو البصل. وتشمل أعراض التعرض لغاز الخردل ألمًا في البطن، وظهور بثور على الجلد، ونزيف الأنف، والسعال، وصعوبة التنفس، وضيق التنفس، والقيء، والصفير، والتشنجات. وفي بعض الحالات، يمكن أن يسبب غاز الخردل الكبريتي العمى وفشل الجهاز التنفسي، مما يؤدي إلى الوفاة.

وأكدت  منظمة حظر الأسلحة الكيميائية  في تقرير لها أن تنظيم الدولة الإسلامية هو الذي نفذ هذا الهجوم، باستخدام غاز الخردل ومادة سوداء لزجة ذات رائحة نفاذة تشبه رائحة الثوم.

ولم تتوفر أي مواد مرئية على الإنترنت يمكن تأكيد ارتباطها بالهجوم. وقد عُثر على مقطعي فيديو مفتوحي المصدر يظهران بقايا أسلحة (انظر  هنا  و هنا )، ولكن لم يتسن تأكيد أنهما بقايا أسلحة كيميائية.

الخلاصة والتوصيات

يسلّط تحقيق أجراه المركز السوري الضوء على التأثيرات الجسدية والنفسية للحرب الكيميائية استنادًا إلى البيانات التفصيلية لعشرات الضحايا والأدلة مفتوحة المصدر التي تؤكد ذلك. وعلى الرغم من ادعاءات بشار الأسد المناقضة لذلك، فقد استخدمت الحكومة السورية الحرب الكيميائية ضد المدنيين، ومن بين الأسلحة الكيميائية المستخدمة غاز السارين وغاز الكلور. كما أكد المركز السوري للعدالة والمساءلة أن داعش استخدمت مواد كيميائية، وخاصة غاز الخردل، في هجوم واحد على الأقل. لقد أخفق المجتمع الدولي إلى حد كبير في الاستجابة بشكل مناسب للهجمات، وقد يشجع هذا الافتقار إلى الاستجابة الدول المجاورة على تبنّي استخدام الأسلحة الكيميائية.

ولتحقيق هذه الغاية، يتعين على الحكومة السورية وتنظيم داعش التوقف فورًا عن استخدام الحرب الكيميائية. ولتعزيز جهود المساءلة، يتعين على الحكومة السورية التعاون بشكل كامل مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في تحقيقاتها في استخدامها للحرب الكيميائية. و يشمل  هذا التعاون تقديم تصريحات كاملة وفي الوقت المناسب تتعلق بالأسلحة الكيميائية ومرافق الأسلحة الكيميائية على أراضيها، فضلًا عن التعاون الكامل مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في ممارسة وظائفها.

وعلى وجه الخصوص، ينبغي محاسبة الحكومة السورية على استخدامها للحرب الكيميائية ضد المدنيين كشكل من أشكال العقاب الجماعي لأولئك الذين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وهي جريمة حرب صارخة. وتماشيًا مع التزامها باحترام وضمان احترام القانون الدولي، ينبغي لجميع الدول محاسبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لقانون النزاعات المسلحة من خلال إجراء أو دعم تحقيقات كاملة في الانتهاكات المزعومة.

وينبغي للدول متابعة قضايا الولاية القضائية العالمية ضد أولئك الذين فروا إلى الدول الأعضاء ويمكن محاسبتهم على استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيميائية. وينبغي لها أيضًا مقاضاة الشركات التي تزود الحكومة السورية -عن علم- بسلائف الأسلحة الكيميائية. وعلاوة على ذلك، ينبغي لآليات المساءلة، ومنها الآلية الدولية المحايدة المستقلة، والمؤسسة المستقلة المعنيّة بالمفقودين في الجمهورية العربية السورية، ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، تحديد الأدلة ذات الصلة بهجمات الأسلحة الكيميائية ومشاركتها مع المحققين في البلدان الأخرى.