انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا - أيار/ مايو 2024

مناطق السيطرة على الخريطة التالية معروضة وفقًا للناحية، وقد لا تُظهر الوضع الحالي على أرض الواقع

تشمل خارطة انتهاكات حقوق الإنسان بيانات يحرص المركز السوري للعدالة والمساءلة على جمعها عن طريق منسقي أفرقته التوثيقية المنتشرة في الميدان. ويحرص المنسقون على استخلاص البيانات من مجموع التقارير الإعلامية، والمقابلات والحوارات التي يُجرونها بما يجعلها متاحة لاطلاع شريحة أوسع من الجمهور في مختلف أنحاء العالم. وتمثل هذه الخارطة توزيعا لتفاصيل الوقائع المرتبطة بحالة حقوق الإنسان الراهنة في المناطق السورية الخاضعة سياسيا وعسكريا لسيطرة السلطات الرئيسية الأربع، وهي: الحكومة السورية، وهيئة تحرير الشام، وقوات سوريا الديمقراطية أو سلطات الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا (قسد/ سلطات الإدارة الذاتية)، والمناطق التي تحتلها تركيا.

كما يداوم المركز السوري للعدالة والمساءلة على تحديث محتويات الخارطة وتفاصيلها شهريا عن طريق إدخال أحدث بيانات وقائع انتهاكات حقوق الإنسان، والأحداث السياسية الفارقة، وتحليل تطورات النزاع وتغير حيثياته.

كما تشير خارطة الانتهاكات التي وقعت في شهر أيار/ مايو إلى استمرار الزيادة الملحوظة نسبيا في ظاهرة الاغتيالات التي تستهدف مدنيين وعسكر في مناطق محافظة درعا الخاضعة لسيطرة الحكومة، والاحتجاجات على سياسات سلطات الإدارة الذاتية بخصوص تحديد سقف سعري لمحصول القمح في محافظات الحسكة، والرقة، ودير الزور، والاعتقالات الجماعية بحق المدنيين الأكراد في عفرين وإعزاز الواقعتين تحت الاحتلال التركي، والتحول المقلق الحاصل في طبيعة رد الحكومة على الاحتجاجات الشعبية ضد حكم هيئة تحرير الشام.


المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة:

تسيطر الحكومة السورية حاليا على غالبية أراضي سوريا. وفي الجنوب الذي يضم محافظات ، و، و، تسلمت قوات الجيش والمجموعات الأمنية التابعة للحكومة مسؤولية المهام الأمنية منذ إعادة بسط سيطرتها على المنطقة في 2018.

وفي محافظة درعا تحديدا، شكلت الاغتيالات وغيرها من الاعتداءات العنيفة بحق المدنيين وعناصر الجيش تهديدا رئيسيا لاستتباب الأمن، ولاحظ منسقو فريق التوثيق في المركز السوري للعدالة والمساءلة حصول زيادة ملموسة في مثل هذا النوع من الاعتداءات والهجمات أواخر عام 2023، ومطلع العام 2024. وفي أيار/ مايو، استمرت الزيادة الملحوظة في العدد الكبير للاغتيالات في درعا التي راح ضحيتها  مدنيون  لا ارتباط لهم بالأجهزة العسكرية إلى جانب عناصر من  الجماعات المسلحة ، أو عصابات  تجارة المخدرات . وكالمعتاد، أسندت وسائل الإعلام المسؤولية عن ارتكاب تلك الاغتيالات بحق المدنيين في أيار/ مايو إلى "مسلحين مجهولين". كما شهد الشهر وقوع صدامات مسلحة متكررة بين الجماعات المسلحة المتناحرة في درعا، والتي تتضمن الجماعات التي تنشط بالنيابة عن الحكومة.

كما أبرزت وسائل إعلام محلية وقوع اعتداءات متكررة على مركبات ومرافق تابعة لفرع الأمن السياسي ووحدات الجيش التابعة للحكومة، فضلا عن وقوع عدد كبير من الاعتداءات التي استهدفت المدنيين. وأشار أحد  المقالات  إلى أن الاعتداء الذي نُفذ باستخدام عبوة ناسفة (مصنعة محليا)، وأوقع قتيليْن في صفوف قوات الأمن التابعة للحكومة في أيار/ مايو، استهدف المركبة التي كان العنصران يستقلانها ردا على معاملة تلك القوات للسكان المحليين. وأشار المقال ومنسقو فريق التوثيق التابع للمركز إلى ما اعتاد عليه عناصر قوات الأمن من إهانة المدنيين واعتقالهم، وإجبارهم عنوة على دفع إتاوات مالية "خاوات" لدى مرورهم بالحواجز الأمنية. وشهد حاجز منكت الحطب على الطريق الواصل بين دمشق ودرعا إقدام عناصر الأمن العسكري على  اعتقال  أربعة أشخاص قادمين من دمشق بتاريخ 27 أيار/ مايو، واتضح أن أحدهم كان من عناصر جماعة مسلحة محلية مدعومة من جهاز أمني حكومي آخر غير الذي يشرف على ذلك الحاجز الأمني، فما كان من عناصر الجماعة الأخرى سوى التحرك للرد على ذلك الإجراء مما أدى إلى إخلاء سبيل المعتقلين الأربعة. وغالبا ما يُجبر المدنيون على دفع مبالغ مالية كبيرة مقابل إطلاق سراح ذويهم المعتقلين.

ودأب المدنيون في محافظة السويداء على تنظيم احتجاجات ضد الحكومة منذ خريف عام 2023 للمطالبة بالإصلاح وتغيير النظام، وإن كان زخمها قد سجل تراجعا عقب وصوله إلى ذروته منذ ذلك الحين. ولكن المظاهرات استمرت طوال شهر أيار/ مايو على شكل تجمعات صغيرة توزعت على أيام الأسبوع، إلى جانب تنظيم احتجاجات ضخمة أيام الجمعة. وعموما، اتسم رد الحكومة على تلك الاحتجاجات بانضباطه نسبيا على الرغم من إقدام قوات الأمن على  قتل  أحد المحتجين من المدنيين عقب محاولته اقتحام مبنى حكومي في شباط/ فبراير. وأوردت تقارير إعلامية إرسال تعزيزات عسكرية تابعة للحكومة إلى السويداء أواخر نيسان/ أبريل فيما اعتبره البعض نوعا من الرد على احتجاجات السويداء، ولكن منسقي فريق التوثيق في المركز أشاروا إلى أنه لم ينجم عن تلك التعزيزات أي إجراء عسكري في السويداء خلال أيار/ مايو.

كما وقعت احتجاجات داخل التابع إداريا لمحافظة حمص على مقربة من حدود سوريا مع كل من الأردن والعراق. وحرصت الحكومة السورية وحلفاؤها طوال سنوات على منع وصول الأغذية، والأدوية، وغيرها من المواد الإغاثية للمخيم الذي يؤوي ما يقرب من 7500 نازح سوري، الأمر الذي حمل قاطنيه على تكرار تنظيم احتجاجات بهذا الخصوص. وعقب فرض الحكومة مزيدا من القيود على دخول المواد إلى المخيم في نيسان/ أبريل، وفي ضوء تراجع وصول المواد والإمدادات الإغاثية إلى المخيم من مصادر أخرى، وردت تقارير تفيد بأن احتجاجات شهر أيار/ مايو داخل المخيم كانت أكبر من سابقاتها في الشهور الماضية.  وطالب  القاطنون في المخيم بالسماح بدخول مزيد من المواد الإغاثية والعلاجات الطبية، وفتح مسار آمن يتيح لهم مغادرة المخيم، والتوجه إلى المناطق غير الخاضعة لسيطرة قوات الحكومة في الشمال. وعلى الرغم من الظروف المزرية داخل المخيم، يخشى القاطنون في المخيم مغادرته والمرور عبر الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة (لأن الممر الوحيد المتاح حاليا لمغادرة المخيم لا بد وأن يمر بها) قبل الوصول إلى مناطق شمال سوريا.

وعلى الرغم من أن عددا غير قليل من منظمات حقوق الإنسان قد أثبت لجوء الحكومة السورية إلى التعذيب حاليا، وقبل اندلاع النزاع، فإن وزارة الداخلية أصدرت بتاريخ 27 أيار/ مايو  تعميما  موجها إلى الشرطة توعز فيه لعناصرها بعدم استخدام التعذيب أو غيره من أساليب الإكراه مع المشتبه بهم. ويقدّر منسقو فريق التوثيق التابع للمركز السوري للعدالة والمساءلة أن الحكومة أصدرت أوامرها في هذا التعميم على إثر  القضية  التي رفعتها كل من كندا وهولندا ضد الحكومة السورية أمام محكمة العدل الدولية بدعوى انتهاك سوريا لأحكام اتفاقية مناهضة التعذيب. ويقتصر الأمر الصادر في التعميم على جهاز الشرطة وعناصره فقط، ولا يشمل الأجهزة الأمنية أو المخابرات، ويهدف على الأرجح إلى الإيحاء بأن الحكومة قد اتخذت خطوات تهدف إلى منع التعذيب في سوريا.

وشهدت محافظة ريف دمشق -التي تُعد أحد معاقل المعارضة سابقا- ارتكاب الحكومة لفظائع وانتهاكات جماعية في وقت سابق من النزاع شملت فرض حصار جماعي جائر، وشن هجمات بالأسلحة الكيميائية، وتنفيذ اعتداءات، وأعمال نهب وسرقة. وعلى الرغم من ادعاء الحكومة أنه بوسع أفراد بعض تلك المناطق "التصالح معها" (إجراء تسوية لأوضاعهم الأمنية) عقب انخراطهم في صفوف المعارضة سابقا، فلا يمكن اعتبار المصالحة بمنزلة ضمان لسلامة أولئك الأفراد. وفي أيار/ مايو، اعتقلت قوات الحرس الجمهوري فواز رمضان أحد قادة المجلس العسكري لقوات المعارضة سابقا أثناء مروره بحاجز أمني في . ويشير  المقال  المنشور حول الموضوع إلى أن فواز رمضان قد أكمل إجراءات تسوية أوضاعه الأمنية مع الحكومة. ووفقا لما أفاد به منسقو فريق التوثيق التابع للمركز السوري للعدالة والمساءلة، فإن شروع الشخص في إتمام إجراءات المصالحة وتسوية وضعه الأمني مع الحكومة رسميا لا يكفل سلامته أو أمنه إذا كان منخرطا سابقا في قيادة المعارضة (بصفة مدنية أو عسكرية)، ويظل عرضة لخطر الاعتقال أو الاغتيال على أيدي عناصر قوات الأمن وأجهزة المخابرات التابعة للنظام. كما وثق المركز السوري للعدالة والمساءلة حصول وقائع مشابهة لاحتجاز مثل أولئك الأشخاص في دمشق ومناطق أخرى من ريف دمشق وغيرها من محافظات جنوب سوريا.


مناطق سلطات الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا:

تحكم سلطات الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا أجزاء من محافظات الحسكة، ودير الزور، والرقة، وحلب. وعلى الرغم من استمرار الدعم السياسي والعسكري من الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب، ترتكب قوات سوريا الديمقراطية والكيانات العسكرية أو الأمنية التابعة لها في تلك المناطق انتهاكات خطيرة بحق سكانها، بما فيها الاعتقال التعسفي، وسوء معاملة المحتجزين. وفي أيار/ مايو، أجرى منسقو فريق التوثيق التابع للمركز السوري للعدالة والمساءلة مقابلة مع شخص سبق له وأن تعرض للاعتقال والتعذيب على أيدي عناصر قسد في محافظة الحسكة، وزعم أنه أُكره على الاعتراف بانخراطه المزعوم في صفوف داعش على الرغم من عدم وجود أي صلة له بالتنظيم. كما وثق فريق المركز حالات مشابهة كثيرة شهدت اعتقال أناس على أيدي عناصر قسد بتهمة الانخراط في صفوف داعش.

كما شهدت مناطق أخرى خاضعة لسيطرة سلطات الإدارة الذاتية أو قسد اندلاع احتجاجات مدنية أخرى في شهر أيار/ مايو. حيث انتفض مدنيون في محافظتي الحسكة ودير الزور احتجاجا على  قرار  سلطات الإدارة الذاتية بتحديد سعر شراء القمح وغيره من محاصيل الحبوب من المزارعين بما يعادل 31 سنتا أمريكيا للكيلوغرام الواحد، وهو سعر يقل بنسبة 25% عن أسعار السنة الماضية، و30% عن أسعار الحكومة السورية. ويعتقد المدنيون أن سلطات الإدارة الذاتية ستبادر على الأرجح إلى بيع كميات محصول القمح إلى الحكومة بهامش يدر عليها ربحا. ووفقا لما أفاد به منسقو فريق التوثيق، لن يكون هذا السعر كافيا كي يغطي المزارعون المتضررون من هذه السياسة تكاليف الإنتاج التي تكبدوها هذا العام، أو ادخار أي أموال لإنفاقها على مجهود زراعة المحصول في الموسم القادم. وربطت بعض التحليلات بين السياسة السعرية التي فرضتها قسد وهدفها المتمثل في ثني المزارعين عن الاستمرار في زراعة محاصيلهم، مما قد يشجعهم على التخلي عن أراضيهم مستقبلا. وأشار منسقو فريق التوثيق في المركز إلى أنه من الممكن أن تتجدد الاحتجاجات عقب  إعلان  سلطات الإدارة الذاتية عزمها عدم التراجع عن قرار فرض سقف سعري لشراء محصول القمح. كما أوقع تصاعد التوتر بين قسد والمدنيين في دير الزور عددا من القتلى في صفوف المدنيين خلال أيار/ مايو. وعلى سبيل المثال، أقدم عناصر قسد على  إطلاق  النار صوب إحدى المركبات التي رفضت التوقف عند حاجز أمني في درناج، وتسببوا بمقتل اثنين من الأطفال. ووفقا لما أفاد به منسقو التوثيق في الميدان، تنتشر نقاط التفتيش والحواجز الأمنية التابعة لقسد في المنطقة على نطاق واسع، وغالبا ما يتعمد عناصر تلك الحواجز مضايقة المدنيين الذين يمرون بها. وإذا أبدى المدنيون رد فعل على هذا النوع من المعاملة، فمن المرجح أن تتصاعد الأمور إلى شجار كلامي وعراك واشتباك، ومن الشائع حينها أن يسقط المدنيون (لا سيما الأطفال) ضحايا كأضرار جانبية لمثل هذا النوع من أعمال العنف.

كما تتغاضى قسد عن ممارسات تجنيد الأطفال على أيدي جماعة تابعة لها يُطلق عليها اسم حركة الشبيبة الثورية. وأوردت تقارير إعلامية وإفادات صادرة عن أعضاء فريق توثيق المركز في أيار/ مايو تفاصيل إقدام حركة الشبيبة الثورية على اختطاف ثلاثة أطفال (بينهم فتاتان) في ذلك الشهر من  تل رفعت ،  ومنبج ،  ومخيمات النزوح القريبة من الشهباء  (بمحافظة حلب)، واقتيادهم إلى معسكرات تجنيد الشباب. واختُطفت إحدى الفتاتين، وتبلغ من العمر 13 عاما، وهي في طريقها إلى المدرسة. وأجرى المركز السوري للعدالة والمساءلة عدة مقابلات مع عائلات أطفال اختُطفوا في ظروف وملابسات مشابهة، واستفاض في تفاصيل هذا النمط المرتكب من الانتهاكات في  تقرير  نشره حول الموضوع مؤخرا. كما يظل الشباب البالغون عرضة للتجنيد الإجباري في المناطق الخاضعة لسيطرة قسد. وفي أيار/ مايو، وردت تقارير تفيد باعتقال قوات قسد نحو 50 شابا عند إحدى نقاط التفتيش بمحافظة الحسكة قبل أن تقتادهم لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية في صفوفها. ومع أنه قد سبق لسلطات الإدارة الذاتية وأن أصدرت بيانا تؤكد فيه أنها ستتوقف عن دهم مقار العمل، والأسواق، والمحال التجارية، والمنازل واقتياد الأشخاص منها لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية، فلا تزال قسد توقف الشباب لدى مرورهم بالحواجز الأمنية، وتقتادهم عنوة لأداء الخدمة العسكرية. وعلى الرغم من وجود بدائل تتيح تأجيل أداء الخدمة العسكرية الإلزامية لأسباب عدة من قبيل إكمال التحصيل الأكاديمي، فلا يوجد ما يضمن الموافقة على تأجيل الخدمة على الدوام في حال توافر تلك الأسباب.

وسبق لسلطات الإدارة الذاتية وأن وضعت خططا لإجراء الانتخابات البلدية في أواخر أيار/ مايو، ولكنها آثرت تأجيلها إلى أواسط حزيران/ يونيو (قبل أن يُصار إلى تأجيلها مجددا إلى تموز/ يوليو في وقت لاحق). ومن المفترض أن يختار الناخبون المدنيون في تلك الانتخابات قيادات مؤسسات الحكم المحلي (البلديات)، وهي مؤسسات مسؤولة عن توفير الخدمات في مناطقهم، وإصدار الوثائق الرسمية، وما إلى ذلك. ولاحظ منسقو فريق التوثيق التابع للمركز السوري للعدالة والمساءلة في المنطقة أن تأجيل الانتخابات يترك المدنيين في مواجهة المجهول على صعيد الكثير من المسائل الإدارية، ويُعدَمون الوسيلة بالتالي لاستصدار أو تصديق الوثائق الرسمية من جهات حكومية إلى حين إجراء الانتخابات.

وثمة خطرٌ آخر يتربص بالمدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرة سلطات الإدارة الذاتية، وتحديدا قاطني مناطق شمال محافظات حلب، والرقة، والحسكة، ويتمثل في استمرار القصف المدفعي التركي الذي يستهدف تلك المناطق. وعلى الرغم من أن النشاط العسكري التركي ظل في أيار/ مايو مقاربا لمستوياته في الشهور الماضية، لا تزال الاعتداءات التركية تشكل تهديدا لسلامة المدنيين. وعلى سبيل المثال، تسبب  القصف المدفعي  التركي بإصابة طفليْن بجراح خطيرة، توُفي أحدهما متأثرا بإصابته لاحقا في قرية السموقة القريبة من منطقة الشهباء (بمحافظ حلب) الخاضعة لسيطرة قسد.


المناطق الواقعة تحت سيطرة تركيا:

عقب توغل تركيا في الأراضي السورية على إثر عمليتي درع الفرات، وغصن الزيتون (2016-2018)، بسطت تركيا ووكلاؤها بقيادة الجيش الوطني السوري سيطرتها على مناطق شمالي حلب، وارتكبت انتهاكات بحق المدنيين بشكل منتظم.

وفي أيار/ مايو 2024، وردت تقارير تفيد بإقدام فصائل تابعة للجيش الوطني السوري على اعتقال عدد من المدنيين (غالبيتهم من الأكراد) في عفرين وإعزاز. وليست هذه الاعتقالات بالظاهرة الجديدة نظرا لتكرار وقوعها منذ أن بسطت تركيا وفصائل الجيش الوطني السوري سيطرتها على المنطقة في 2018.  واعتقلت  الشرطة مسنا كرديا في في أيار/ مايو بتهمة "تعاونه مع سلطات الإدارة الذاتية" في الماضي. وانهال رجال الشرطة عليه بالضرب المبرح في أثناء وجوده في الحجز قبل أن يُخلى سبيله عقب دفع أسرته مبالغ مالية لمن اعتقلوه. كما سبق لفصائل الجيش الوطني وأن اعتقلت رجلا آخر بالتهمة نفسها، وسرعان ما أخلوا سبيله عقب استلام المبلغ المطوب. وعلى صعيد المثال السابق وكثير من الحالات المشابهة، تشير تهمة "التعاون مع سلطات الإدارة الذاتية" إلى أعمال تعود إلى حقبة سيطرة الإدارة الذاتية على تلك المنطقة قبيل عام 2018 ويشمل ذلك أداء الخدمة العسكرية الإلزامية المنصوص عليها بموجب قانون "الدفاع الذاتي" الذي أصدرته سلطات الإدارة الذاتية، أو الالتحاق بوظائف مدنية تحت إمرتها والعمل لديها (كمعلمين، وممرضين، وموظفي خدمات بلدية).

كما وردت المركز في أيار/ مايو تقارير تفيد باحتجاز عدد من المدنيين دون تهمة بينهم رجل  اختُطف  من (على مقربة من عفرين) ولا يزال محتجزا دون إسناد تهم إليه بشكل رسمي. وفي كثير من الحالات -كما حصل مع الرجل المسن من معبطلي- يعرِض عناصر الفصائل على المحتجزين إطلاق سراحهم لقاء مبالغ مالية معينة (قد تصل أحيانا إلى نحو ألف دولار أمريكي) تُدفع لعناصر فصائل الجيش الوطني المدعوم من تركيا الذين أقدموا على اعتقالهم. ووفقا لمصادر المركز السوري للعدالة والمساءلة، تهدف الاعتقالات إلى ترويع الأكراد من سكان مناطق شمال حلب فضلا عن أن عناصر تلك الفصائل يتربحون شخصيا من المبالغ التي يستوفونها من أقارب المعتقلين مقابل إخلاء سبيل ذويهم.

ومنذ أن بسط الجيش الوطني سيطرته على المنطقة في 2018، ترد إلى منسقي فريق التوثيق في المركز بلاغات دورية عن تعرض سكان تلك المنطقة عموما، وسكان عفرين خصوصا، لانتهاكات يرتكبها عناصر فصائل الجيش الوطني على صعيد حقوق السكن، والأراضي، والملكية العقارية. وأقدم في الشهر الحالي عناصر من فصيل العمشات الموالي لتركيا على  نهب  منزل في إحدى قرى عفرين، وسرقوا مقتنيات من قبيل الأبواب، والنوافذ، وغير ذلك من الأغراض. كما أُجبر شخص أيزيدي يملك عددا من المنازل ومحطةً للوقود في شيران على  دفع  مبلغ يعادل 20 ألف دولار أمريكي لصالح عناصر فصيل ملك شاه كي يُسمح له بمعاودة استخدام بعض من عقاراته والتصرف بها، بينما لا يزال باقي ما يملكه من عقارات تحت سيطرة عناصر ذلك الفصيل. كما وردت بلاغات إلى فريق التوثيق في المركز في الشهر نفسه تتحدث عن منع مالكي بعض الأراضي والعقارات الأصليين من استخدامها أو التصرف بها عقب تعرضهم للضرب المبرح، أو الاحتجاز لمجرد محاولة القيام بذلك. وعلى سبيل المثال، عاد رجل كردي إلى منزله في عفرين مؤخرا ليجد أن بعض العناصر من فصائل الجيش الوطني قد وضعوا أيديهم عليه بالقوة منذ 2018، وعندما طالب باستعادة منزله في أيار/ مايو من العام الجاري، ألقى عناصر الفصائل  القبض  عليه، ولا يزال مكان احتجازه مجهولا حتى الآن.

ويظل عناصر فصائل الجيش الوطني السوري وغيرهم من النازحين السوريين الذين يشغلون منازل المدنيين في عفرين وما حولها مصدر قلق لأصحاب تلك العقارات. كما أدت محاولات النظام القضائي التصدي للمشكلة إلى إثارة سخط وامتعاض كبيرَين. وفي أواخر أيار/ مايو،  أصدرت  قاضية المحكمة الجنائية في عفرين، نوروز حسو، حكما غير مسبوق يلزم شاغلي المساكن المملوكة لأكراد نازحين بإخلائها، وإعادة العقار إلى مالكه الأصلي. وبمجرد انتشار خبر الحكم التاريخي الذي أصدرته القاضية حسو، شن النازحون السوريون المقيمون في عفرين حملة لتشويه سمعتها، ونظموا  احتجاجات ، ووجهوا لها  تهديدات  بالاغتصاب والقتل، والتعرض لسلامة أفراد أسرتها. وانتشرت تلك التهديدات انتشار النار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي الوقت الذي أشار فيه بعض من تحدث في تلك الاحتجاجات إلى الأضرار التي تلحق -جراء القرار- بالنازحين المدنيين الذين شغلوا تلك العقارات بحكم وضع اليد لأنه لا يوجد لديهم مكان آخر يؤويهم، لاحظ أعضاء فريق التوثيق في المركز السوري للعدالة والمساءلة أنه من غير الممكن أن تندلع احتجاجات بهذا الحجم من غير موافقة فصائل الجيش الوطني الناشطة في المنطقة ودعمها. وفي تفصيل مثير للاهتمام أيضا، اتهم المحتجون القاضية الكردية بوجود علاقة لها مع سلطات الإدارة الذاتية أو حزب العمال الكردستاني، ولكن تشير  مقالات  أخرى وإفادات فريق التوثيق في المركز إلى وجود صلات طيبة للقاضية حسو بالسلطات التركية في المنطقة بحكم منصبها في نظام القضاء الذي تديره تركيا. وسيعكف المركز السوري للعدالة والمساءلة على مراقبة تطورات الأوضاع في قادم الأسابيع نظرا لعدم احتمال التزام شاغلي العقارات بتنفيذ مقتضيات الحكم بإخلائها.

وفي حكم قضائي آخر قوبل بالترحيب، أصدرت المحكمة العسكرية في الراعي (بمحافظة حلب)  حكما  بإعدام ثلاثة رجال بتهمة  قتل  الناشط محمد عبد اللطيف (المعروف باسم محمد أبو غنوم)، وزوجته الحامل في عام 2022. ويُذكر أن اثنين من الجناة الثلاثة ينتمون لفصيل الحمزات الذي ينشط في مناطق شمال سوريا. وبما أن عقوبة الإعدام غير مطبقة في الأراضي الخاضعة لسيطرة تركيا، فمن المرجح أن يُحكم على الرجال الثلاثة بالسجن مدى الحياة بتهمة القتل العمد.


المناطق الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام:

تُعد هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني منظمة إسلامية سياسية وعسكرية مستقلة، وتسيطر على مناطق من محافظة إدلب، وتنشط سياسيا تحت اسم "حكومة الإنقاذ السورية". وغالبا ما يتعرض المدنيون القاطنون في المناطق التي تسيطر عليها الهيئة للاعتقال التعسفي والتعذيب فضلا عن معاناتهم جراء عمليات القصف الجوي والمدفعي التي تشنها الحكومة السورية وحلفاؤها.

ومنذ شباط/ فبراير 2024، دأب المدنيون، ومعظمهم نازحون من مناطق أخرى جاءوا إلى المناطق الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، على الاحتجاج ضد ممارسات الهيئة عموما، وما تمارسه من اعتقالات تعسفية وحملات تعذيب واسعة في منشآت الاحتجاز خصوصا. واستمرت الاحتجاجات ضد الهيئة في أيار/ مايو، وطالبت بتنحي الجولاني، وإصلاح أجهزة الأمن. واتسم رد حكومة الإنقاذ على تلك الاحتجاجات بكونه منضبطا إلى حد ما خلال الفترة من شباط/ فبراير إلى نيسان/ أبريل، وتزامن ذلك مع تعهد الجولاني وحكومة الإنقاذ  بتقديم تنازلات وقطع وعود  بالإصلاح. ولكن ذلك النهج شهد تحولا في أيار/ مايو، وتزايدا في حضور الأجهزة الأمنية، ووقعت صدامات عنيفة في مناسبات متفرقة بين عناصر قوات الأمن والمحتجين. واستمرت الاحتجاجات طوال شهر أيار/ مايو في مدينة إدلب، وبنّش، وأريحا، وتفتناز، وباريشا، ومخيم كفرومة في كللي، وهازانو، وكفر لوسين، والأتارب، وجسر الشغور.

    • بنش, ادلب
    • أَرِيحَا, ادلب
    • تفتناز, ادلب
    • باريشا, ادلب
    • كللي, ادلب
    • حزانو, ادلب
    • الأتارب, ادلب
    • جسر الشغور, ادلب 

وفي مطلع أيار/ مايو، فضت قوات الشرطة مخيم اعتصام أقامه المحتجون أمام مبنى محكمة إدلب، وتسبب عناصر الأمن العام بإصابات في صفوف المحتجين جراء الاعتداء عليهم بالعصي والهراوات في الأثناء. كما عززت قوات الأمن من وجودها في التجمعات السكانية المكتظة، وفرضت طوقا أمنيا لمنع الاحتجاجات (في مدينة إدلب، وجسر الشغور، وبنّش) المتوقعة يوم الجمعة. كما زُعم أن عناصر من هيئة تحرير الشام تسللوا بين صفوف المتظاهرين وانهالوا بالضرب عليهم في أثناء احتجاجات نُظمت أواسط أيار/ مايو في بنّش وجسر الشغور، واعتقلت الشرطة نحو 20 من قيادات حركة الاحتجاجات في أوقات مختلفة طوال الشهر، وأخلت سبيل بعضهم في اليوم نفسه أو في اليوم التالي لاعتقالهم. ولاحظ منسقو فريق التوثيق في المركز السوري للعدالة والمساءلة في أيار/ مايو ما قيل عن اتهام جماعات مسلحة أخرى (من خصوم هيئة تحرير الشام) بمساندة الاحتجاجات الحالية وتأييدها. كما استمرت الاحتجاجات على مدار الشهر، ويتوقع منسقو فريق التوثيق في المركز لها أن تستمر في الشهر القادم، لا سيما مع خشية المدنيين (سواء أكانوا مشاركين أم غير مشاركين في الاحتجاجات)، وحكومة الإنقاذ من تبعات حدوث "فوضى أمنية" إذا شهد الموقف تصعيدا في المستقبل، وهو ما قد يؤدي أيضا إلى تزايد نشاط داعش في المنطقة.

وعلى الرغم من توقيع اتفاق رسمي لوقف إطلاق النار في 2020، دأبت الحكومة السورية وحلفاؤها (ومنهم الميليشيات المدعومة إيرانيا وسلاح الجو الروسي) منذ أواخر 2023 على تصعيد هجماتها ضد أعيان مدنية في الأراضي الواقعة تحت سيطرة الهيئة والمناطق المجاورة لا سيما مناطق جنوبي إدلب، وأجزاء من محافظتي حماة وحلب إلى الغرب. وغالبا ما تسفر تلك الهجمات عن وقوع إصابات في صفوف المدنيين. ووفقا لما أفاد به منسقو فريق التوثيق في المركز، تهدف تلك الهجمات إلى التذكير بحضور الحكومة السورية باستمرار، وعزمها معاودة بسط السيطرة على كامل الأراضي السورية. كما تهاجم قوات الحكومة المدنيين في مناطق الهيئة انتقاما من مرتكبي الهجمات التي تستهدف جنود الحكومة.

وداومت الحكومة السورية وحلفاؤها خلال أيار/ مايو على اللجوء إلى مختلف أشكال القصف باستخدام المدفعية، وقذائف الهاون، والقذائف الصاروخية لاستهداف المناطق المدنية. وفي اثنتين من وقائع هجمات كثيرة جرى توثيق تفاصيلها في غربي حلب الشهر الجاري، أدى قصف مدفعي حكومي إلى مقتل فتى يبلغ من العمر 12 عاما، وألحق إصابات بالغة بوالده، وإصابة 7 أفراد من عائلة واحدة جراء نيران المدفعية الحكومية. كما وردت تقارير عن إقدام عناصر من حزب الله اللبناني على إطلاق قذيفة صاروخية على مركبة مدنية على إحدى طرق المنطقة، ونجم عن العملية مقتل طفلين وجرح آخر. وجريا على ما حصل في السنوات السابقة كون شهر أيار/ مايو يواطئ موعد بدء موسم الحصاد، استهدفت قوات الحكومة المزارع الخاصة والأراضي الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام والمناطق المجاورة. وقصفت قوات الحكومة بالمدفعية والرصاص الحارق هذه المزارع في إدلب، وحلب وشمال اللاذقية مما تسبب بتلف مناطق شاسعة مزروعة بالمحاصيل، وذلك بهدف إلحاق الضرر الاقتصادي بالمدنيين في المنطقة لا سيما وأن كثيرا منهم يعتمد على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل.

وتشكل المسيّرات تهديدا خطيرا آخر يتربص بالمدنيين في هذه المنطقة، لا سيما وأن قوات الحكومة السورية صعّدت من هجماتها باستخدام المسيّرات بشكل ملحوظ ضد أهداف مدنية خلال الأشهر الأخيرة. وبالإضافة إلى استخدام المسيّرات الروسية والإيرانية في شمال غرب سوريا، تستهدف قوات الحكومة السورية الأعيان المدنية باستخدام مسيّرات بدائية انتحارية مصنعة محليا من طراز "إف بي في/ FPV" تبث صورا مباشرة من منظور الشخص الأول. وإن هذه المسيرات المحملة بالمتفجرات والتي يعمل صاعق تفجيرها بمجرد ارتطامه بالهدف تؤدي إلى قتل المدنيين وجرحهم في محافظتي إدلب وحماة، ويتكرر استخدامها جراء توسيع مداها باستمرار. وبدلا من أن يتم التحكم بها عن طريق نظام تحديد المواقع الجغرافية العالمي، يتحكم المشغل بهذا النوع من المسيرات عن بُعد من خلال مشاهدته للمنطقة التي تحلق فوقها بالتصوير المباشر، ولا يمكن استعادة هذا النوع من المسيرات بمجرد إطلاقه. ولهذه الأسباب، تصيب المسيرات من طراز "إف بي في" أعيانا مدنية في الغالب كما حصل أواسط أيار/ مايو عندما أصابت سلسلة من أربع مسيرات مركبة مدنية على مقربة من قرية آفس، وتسببت بجرح ثلاثة أشخاص.


التقارير السابقة